تعديل

السبت، 15 أغسطس 2015

العلمانية والأسلوب المخادع

أضحت قضية فصل الدين عن الدولة، أو ما يسميه الغربيون فصل الدولة عن الكنيسة، من القضايا المسلَّم بها في الفكر الغربي السياسي، ومن ثم في الفكر السياسي العالمي الدائر في فلك الحضارة الغربية. ودعاة فصل الدين عن الدولة قد يعترفون بأن هذا أمر حدث لظروف تاريخية خاصة بالحضارة الغربية، وبالديانة النصرانية؛ لكنهم مع ذلك يرون أنه أصبح أمراً لازماً لكل دولة حديثة، ويسوِّغون هذا بأن الأساس في الدولة الحديثة هو المواطنة، وما دام المواطنون في الدولة الواحدة لا ينتمون في الغالب إلى دين واحد، بل تتقاسمهم أديان متعددة، وقد يكون بعضهم ملحداً لا يؤمن بدين؛ ففي التزام الدولة بدين واحد من هذه الأديان افتئات على حقوق المواطنين والمواطنة كما صرح أحدهم مشككا في نسبة المسلمين في المغرب..
أهل هذا الأسلوب غاية في الحذر والمكر،فهم يدّعون الإسلام ويتباكون على حال المسلمين حتى يلتبس أمرهم على طالب الحق فلا يستطيع تمييزهم ولكنهم يُعرفون بصدورهم فيما يتعلق عن آراء الشواذ فيما يتعلق بالشريعة وعدم رجوعهم إلى الحق ولو أقيمت عليهم الحجة،وهم في الغالب لا ينكشفون إلا في حال فرح غامر بانتشار المنكر أو استياء شديد عند حصول نصر للإسلام ،ففي هذه الحال يصدر منهم ما ينبئ بما يخفون وبهذا يتبين انتماؤهم ومنهجهم
-وجوده:-غالب من يسلك هذا الطريق الملتوي يعيش في بلد ترتفع فيه راية الدين فلا يمكن له التصريح بمنهجه خشية من الفضيحة الشعبية كرفض الشعب له ويفقد مصداقيته
-خطورته:-" ومن أخطر الأساليب الجاهلية للفصل بين الإنسان والإسلام عندما يفرض كأمر واقع هو اتخاذ موقف المتبني له والداعي إليه، والرافع لشعار الإيمان به، وقد كانت هذه الفكرة هي علة المحاولة الساذجة التي حاولها أبرهة الحبشي، عندما يئس من هدم الكعبة فبني كعبة أخرى في بلاده ليصرف الناس عن بيت الله الحرام، ومثلما بني المنافقون مسجداً ضراراً ليصرفوا الناس عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.وموقف بناء الكعبة المزيفة والمسجد الضرار هو موقف الجاهلية دائماً عندما تفشل في مواجهة واقع إسلامي"
-الخطة العملية له:-هي الخطة التي وضعها المستشرقون للتلبيس ،وقبل ذكر هذه الخطة،لابد من شرح الواقع الإسلامي في الفترة التي وضعت فيها مثل هذه الخطة،وبيان ذلك كالآتي:
حدثت نهضة إسلامية واعية في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين الميلادي،وخاصة بعد الهزيمة من اليهود،وكانت هذه النهضة تمثل مرحلة من مراحل الإحياء الإسلامي،وكانت هذه النهضة تقوم في أكثر من مكان،فظهرت الكتابات الصحيحة في تقييم الواقع وبدء حركة الإحياء الصحيحة من حيث تصحيح التصورات والبدء من قضية العقيدة ،المهم أن هذه التحركات والأفكار أزعجت سدنة الجاهلية آنذاك،فنشط نفر من الاشتراكيين والماركسيين الفرنسيين ممن لهم اهتمام مباشر بالحركات الفكرية في العالم العربي وكان علي رأس هؤلاء النفر "روجيه جارودي"قبل إسلامه و"مكسيم رودنسون"و"وايف لاكوست"، وجّه هؤلاء الفعاليات القومية والاشتراكية في الوطن العربي إلي نقل مجال عملهم إلي" التراث الإسلامي"ذاته بدلاً من الوقوف في وجه الإسلام ،فبدلاً من وقوفهم في وجه الإسلام فإنه بإمكانهم الإعلان أنهم وجدوا طريق الخلاص في الإسلام ثم من خلال تلك "الأرضية النفسية"التي تجعلهم قريبين الصلة من" الوجدان الشعبي المسلم" ليّمكنهم ذلك من طرح "الفكرة العلمانية" بجميع أشكالها وصورها من اشتراكية أو قومية أو ليبرالية...كل ذلك يتم في ثوب إسلامي فضفاض يخدع الجميع فتصبح هناك "اشتراكية الإسلام"..."وقومية الإسلام"..."والحرية في الإسلام"إلي آخره من تلك الشعارات التي تستغل في محاربة الدين . -ولقد وضع المستشرقون الثلاثة تخطيطاً شبه متكامل،دعوا فيه الماركسيين العرب والقوميين العرب إلي التزامه،والسير علي هديه وهذا المخطط الخطير اعتمد على عدة ركائز وهي:
1-الدعوة إلي إعادة قراءة أو كتابة التاريخ الإسلامي علي أساس أنه هناك ثمّة اتجاهات حركية فيه قد ظلمت عمداً من "مؤرخي السلاطين"
2-إرباك العقل المسلم الحديث من خلال طرح العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالتراث والتي تعمد إلي إحياء وتمجيد الاتجاهات الفكرية والحركية المنحرفة بل والخارجة عن الإسلام وعرضها في إطار ثوري جذاب ،وجعها بمثابة الجذور الفكرية للنظريات والمذهبيات الأجنبية الحديثة كالماركسية وغيرها ،ومن هنا تكتسب منطقاتهم الفكرية المتغربة مشروعية الانتماء إلي التراث.
3-طرح عدد من الشعارات والمصطلحات الجديدة والتي يمكن لها أن تشكل جسوراً فكرية ونفسية تصل بين الإسلام وبين القومية أو الاشتراكية وتجهد العقل المسلم الحديث في تتبعها وضبطها وتحديد مشروعيتها مما يضيف إرباكا جديداً يشتت جهد الانطلاقة القوية نحو الإسلام
4-الدعوة إلي الاجتهاد والتجديد:-ويريدون بذلك الوصول بالاجتهاد كما يزعمون إلي الاجتهاد في ثوابت الدين المجمع عليها ومجاوزة الأحكام الشرعية والفقهية التي قررها العلماء والفقهاء علي مدي أربعة عشر قرناً والرجوع إلي القرآن والسنة بشكل مجرد ورفض أي وصاية عليهم كما يزعمون وعدم اعترافهم بكثير من شروط الاجتهاد التي وضعها العلماءوالسلف الصالح رضوان الله عليهم.
5-الإدعاء بأن المهم هو أساس الإسلام ورسالته المهمة في إصلاح النفوس وتزكيتها وتهذيب الأخلاق وأن هذا هو أهم من تطبيق الشريعة وإقامة الحدود والجهاد وغير ذلك من الموضوعات التي تؤذي الحس العلماني المرهف!!الذي يرضي بنقل الشرائع الغربية والقوانين الوضعية التطبيقية ونقل الفنون والانحرافات الخلقية ولا يهتم إلا قليلاً بنقل العلم المادي الذي تتفوق فيه الدول الغربية في الجولة الحالية
6-دعوى الحرص علي الوحدة وعدم التفرق :-تلك الدعوة القديمة المتجددة لدي العلمانيين فهم يزعمون هذا الشعار في كل مكان ويرفضون التمسك بالدين وخاصة في حكم المجتمع لأنه في حد زعمهم يؤجج النزعة الطائفية ونسوا أو تناسوا فترة الحكم الإسلامي طيلة أربعة عشر قرناً،وما ساد فيها من عدل وأمان طوال هذه الفترة
7-القول بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان:-يكثر العلمانيون ترديد هذه القاعدة والإكثار من النقولات السلفية حولها وهي قاعدة صحيحة لا غبار عليها ،وقد بحثها علماء الإسلام بحثاً دقيقاً وأصلوّها تأصيلاً شرعياً،ولم تحتج الأمة إلي العلمانيين كي يذكرونا بها...ولكن هناك فرق بين من يناقش وهو معظم لنصوص الشريعة ..ومن يناقش لكي يسقط بعض أحكام الشريعة ،ولذا لم يذكر العلمانيون أن الفتاوي التي تتغيير بتغير الزمان والمكان إنما هي في أحكام المعاملات ،أما العبادات وأحكام الأسرة والمواريث فهي ثابتة لا تتغير ،ونص هذه القاعدة عام في ظاهره ،فالتغير في الظاهر شامل للأحكام النصية وغيرها ،ولكن هذا العموم ليس مقصوداً لأنه اتفقت كلمة الفقهاء على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق الناس إنما هي الأحكام الاجتهادية فقط المبنية على المصلحة أو علي القياس أو على العرف أو على العادة وعلى ذلك ،فالأحكام النصية ثابتة لا تقبل التغيير ولا تدخل تحت هذه القاعدة ،وقد رأى بعضهم أن يكون نص هذه القاعدة هو"لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية بتغير الزمان "دفعاً لهذا اللبس وهذا قيد حسن ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More